دور قبائل السلاف السياسي والعسكري في جنوب شرق أوروبا (517– 823م)
No Thumbnail Available
Date
2024-09-18
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
Abstract
تتمتع منطقة جنوب شرق أوروبا* بتنوع عرقي ولغوي نتيجة للهجرات المتتالية التي شهدتها، ومن بينها هجرة القبائل السلافية إليها التي غيرت الطابع الديموغرافي للمنطقة بعد مراحل عدة , إذ جذبتها طبيعة المنطقة الجغرافية التي تعد من أهم المناطق الحيوية من النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية فهي تطل على عدة بحار، البحر الأيوني والأيجي المتصلين بالبحر المتوسط و البحر الادرياتيكي ، وأنها تشمل منطقة البلقان التي تعد من أهم وأخصب المناطق الزراعية في أوروبا.
وتضم منافذ بحرية مهمة منها البحر الأسود وبحر أزوف وتضم أيضاً أهم المضائق العالمية، مضائق البسفور والدردنيل الذين يتحكمان ببحر مرمرة ومنها البوابة التي تربط أوروبا بآسيا الصغرى وكذلك تتمتع بمنافذ نهرية مهمة منها، نهر الدانوب الذي يوفر لها فرصة للنقل النهري الى أوروبا الغربية وأحد حدودها الشمالية، ناهيك عن العديد من الأنهار التي تنتشر فيها، أضف إلى هذا تاريخها المرتبط بالامبراطورية البيزنطية والحضارة الرومانية القديمة التي كانت جزءً منها، وفي ضوء تلك الأهمية لمنطقة جنوب شرق أوروبا فإنّ تاريخها لا سيما في العصور الوسطى الأوروبية لم يدرس بصورة متكاملة، فكان لنا نصيب في دراسة حقبة من تاريخ هذه المنطقة الممتدة(517-823م) لما حملته هذه المرحلة من أحداث تاريخية مهمة تركزت فيها دراستنا على القبائل السلافية ومنطقة البلقان التي تمثل جنوب شرق أوروبا**، فقد سلطت الدراسة الضوء على الشعوب السلافية التي لم تكن قوة عسكرية منظمة بل مجموعة قبائل وثنية دفعتها الحاجة للبحث عن مصادر للعيش من موطنها الأصلي في جنوب غرب روسيا وسهول نهر الفولجا إلى مواطن أكثر دفئاً وأنشط اقتصادياً فكانت أولى محاولاتهم التوجه نحو جنوب شرق أوروبا التي كانت خاضعة لسيطرة الامبراطورية البيزنطية.
فاتخذت محاولاتهم أشكالاً متعددة، منها الدخول إليها أفراداً ومجموعات صغيرة، ثم بعد ذلك عصابات وقطاع طرق، ثم قوات عسكرية مسلحة ومنظمة وأخذت تغزوا المقاطعات البيزنطية في منطقة البلقان وذلك بعد منتصف العقد الثاني من القرن السادس الميلادي، غير أنّ هذه القبائل كانت أهدافها غير منظمة ولم تكن واضحة بل قائمة على الإغارة والسلب والنهب، ولم تمتلك قيادة عسكرية موحدة مما جعلهم يخضعون لسلطة خاقانات الأفار والبلغاريين فيما بعد، فتم تجنيد الآلاف منهم لغزو الأراضي البيزنطية مستغلين انشغالها في حربها مع بلاد فارس.
شارك السلاف في هجمات عدة على الامبراطورية البيزنطية واستقروا في مدنها بعد أن أخلوها من سكانها، وانضم العديد منهم كمرتزقة في جيوش أعداء الامبراطورية تارة وتارة أخرى في صفوف جيوشها يقاتلون إلى جانبها.
أضف إلى ذلك سعي الأباطرة البيزنطيين لاحتواء هذه القبائل قدر الإمكان بعد أن أصبحوا جزءاً من كيان الامبراطورية البيزنطية والاستفادة منهم لسد احتياجاتها المختلفة ومحاولة دمجهم في المجتمع البيزنطي وجعلهم ينصهرون في بوتقة الحضارة البيزنطية، بعد أن أسكنتهم في أراضيها وما بذلوه من أجل الحفاظ عليهم للحد من محاولات بقية الأقوام الأخرى أمثال البلغار لضمهم إلى ممالكهم عن طريق التوسع على المناطق التي استوطنوها، لتتطور أوضاعهم فيما بعد ويكون منهم شخصيات بارزة تتدخل في شؤونها الداخلية وتعمل من أجل تحقيق مصالحها.
وبناءً على ما تقدم تم اختيار عنوان الدراسة (دور قبائل السلاف السياسي والعسكري في جنوب شرق أوروبا (517–823م) وجاء اختيار عام 517م بداية للبحث , لأنّه العام الذي سجل أول دخول للقبائل السلافية في الامبراطورية البيزنطية ومحاولاتهم اجتياز نهر الدانوب والدخول لأراضيها من أجل السلب والنهب، واختتمت الدراسة بعام 823م وهو العام الذي تم فيه القضاء على تمرد توماس السلافي والذي دام ثلاث سنوات بعد محاولته تولي العرش الامبراطوري، وإبان تلك المدة كان للسلاف دور بارز في جنوب شرق أوروبا من حيث بدايات تواجدها ومراحل دخولها للبلقان، ناهيك عن مشاركتها للأفار والبلغار من أجل نهب وسلب المدن البيزنطية إلى أن أخذت طابع آخر والذي تمثل برغبتهم في الاستقرار في المقاطعات البيزنطية بعد أن وجدوها مناسبة لهم وتخدم مصالحهم وتلبي احتياجاتهم.
ومن هنا طرحت الباحثة جملة من التساؤلات محاولة الإجابة عنها عن طريق الدراسة منها:
1- ما هي الطبيعة الجغرافية لجنوب شرق أوروبا في العصور الوسطى وما مميزاتها والتي شكلت فيما بعد عامل جذب للقبائل السلافية؟
2- كيف انقسمت القبائل السلافية إبان رحلة هجرتها من موطنها الأصلي إلى جنوب شرق أوروبا وكيف توزعت في أجزاء منطقة البلقان؟
3- متى كان أول احتكاك لها مع الإمبراطورية البيزنطية وكيف اتسمت علاقاتهما مع بعضهما؟
4- كيف كانت أول مراحل استيطانهم في شبه جزيرة البلقان إبان النصف الثاني من القرن السادس الميلادي؟
5- متى بدأ الصراع السلافي البيزنطي على جنوب شرق أوروبا؟
6- ما هو موقف الإمبراطورية البيزنطية تجاه تسلل القبائل السلافية إلى مقاطعاتها؟
7- هل أنشأ السلاف نواة دولهم المستقلة في جنوب شرق أوروبا؟
8- هل كان السلاف محط أطماع القوى المتنافسة فيما بينها؟
9- ما هي أوضاع السلاف في شبه جزيرة البلقان إبان أواخر القرن الثامن وبدايات القرن التاسع الميلادي؟
10- ما هو دور السلاف السياسي والعسكري في الربع الأول من القرن التاسع الميلادي في جنوب شرق أوروبا؟
وقد اتبعت الباحثة منهج التسلسل التاريخي في كتابة الرسالة بسبب طبيعة الموضوع وإشكالياته فضلاً عن المدة الزمنية التي عنيت بها الدراسة وما تميزت به من أحداث مستندين في ذلك إلى المنهج التحليلي أينما اقتضت الحاجة إليه لتوضيح الأحداث التاريخية.
وقد اقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها على هذا النحو لتسهيل دراستها من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، فضلاً عن الملاحق وقائمة المصادر وملخص بلغة الإنكليزية، وعليه تكون التمهيد من نقطتين: الأولى أوضحت بها الطبيعة الجغرافية لجنوب شرق أوروبا، أما الثانية فقد تناولت الهجرات المتتالية على المنطقة حتى قدوم السلاف إليها.
جاء الفصل الأول بعنوان (تواجد السلاف في جنوب شرق أوروبا 517- 602م) وتضمن ثلاثة مباحث اختص الأول منها بـ( الغزوات السلافية على الإمبراطورية البيزنطية في القرن السادس الميلادي 517- 549م)، وقد تركزت الدراسة فيه على أول قدوم للسلاف إلى منطقة البلقان البيزنطية، بالرغم من أنّهم لم يستقروا بها فقد جذبتهم ثرواتها لنهبها مستغلين تدهور أوضاعها الداخلية في بعض الأحيان، والاجراءات التي اتبعتها بيزنطة تجاههم، فيما حمل المبحث الثاني عنوان ( التوسع السلافي في المقاطعات البيزنطية 550–587م)، أوضحنا فيه كيف كثفت القبائل السلافية الخاضعة لخاقان الأفار غاراتها على المدن البيزنطية الغنية وخاصة الساحلية منها والمتاخمة لنهر الدانوب طامعين بالذهب الروماني مستغلين انشغالها بحربها في إيطاليا، مع توضيح السياسة التي اتبعها الأباطرة البيزنطيين إزاء هذه الغارات، أما المبحث الثالث ( تصاعد الصراع السلافي البيزنطي على مقاطعاتها في جنوب شرق أوروبا 578-602م) والذي بين طبيعة العلاقات ما بين السلاف وحلفائهم من الأفار مع البيزنطيين وكيف بدأوا بتغيير توجهاتهم من الغزو والنهب إلى الرغبة بالاستقرار، إلّا أنّ الامبراطورية البيزنطية جهدت حتى أعادت سيادتها على أراضيها وحفظ حدودها مع نهر الدانوب.
تناول الفصل الثاني المعنون بـ(العلاقات العسكرية و السياسية السلافية البيزنطية من 602-657م) وتكون من ثلاثة مباحث تطرق المبحث الأول منه إلى (تشكيل أول المستوطنات السلافية في جنوب شرق أوروبا وموقف الإمبراطورية البيزنطية منها 602–626م) موضحة به كيف استغل السلاف الصراعات الداخلية والخارجية في الامبراطورية البيزنطية ليكونوا لأنفسهم موضع قدم في المقاطعات الشمالية المطلة على البحر الأدرياتيكي حتى تطور بهم الوضع إلى تهديد العاصمة وفرض حصار عليها، بينما ركز المبحث الثاني الذي كان بعنوان (ظهور الدويلات السلافية في جنوب شرق أوروبا 627-641م)، وأشرنا فيه إلى تطور الوضع داخل البلقان البيزنطية وكيف ساهمت جغرافيتها بتكون بعض الدول السلافية مثل صربيا وكرواتيا ومورافيا وبلغاريا بعد أن أثرت بهم الحضارة البيزنطية وصار عندهم سلالات حاكمة مستقلة ولها علاقات ودية مع الامبراطورية البيزنطية، وتطرق المبحث الثالث الذي حمل عنوان (التنافس البيزنطي البلغاري لضم القبائل السلافية 657-783م) تناول جهود بيزنطة والبلغار لمد سلطتهما على القبائل السلافية وكان الأباطرة البيزنطيين حريصين على ألّا يخرج السلافيين من قبضتهم، لأنَّ ذلك سوف يجعلها تخسر مقاطعاتها في جنوب شرق أوروبا، فكانت سياستها مختلفة معهم مرة تستخدم حملات عسكرية لتخضعهم إلى سلطتها ومرة أخرى تدافع عنهم بصد البلغار، فضلاً عن ذلك قيامهم بتوطين السلاف ومنحهم أرض يسكنونها في الامبراطورية وتجنيد الآلاف منهم في جيوشها.
وأخيراً، خصص الفصل الثالث المعنون بـ( الصراع العسكري و السياسي بين السلاف و الإمبراطورية البيزنطية 799-823م) وعليه تكون من مبحثين أخذ المبحث الأول ( التفاعل السياسي و الثقافي و التحديات العسكرية للسلاف في الامبراطورية البيزنطية 799-819م) فقد تحدث عن تأثير عملية تهجير وتوطين السلاف في المقاطعات البيزنطية وظهور شخصيات بارزة تحاول التدخل في شؤون الحكم وكيف استفادت بيزنطة من هذه العناصر الجديدة في كيانها، واستمرار الصراع بينها وبين خانات البلغار لضم هذه الأقوام إليهم، بينما عني المبحث الثاني بالحديث عن (الصراع على السلطة بين توماس السلافي و ميخائيل العموري 820–823م) فقد أشار إلى تطور الوضع السياسي في بيزنطة وقيام أحد القادة البيزنطيين في إقليم آسيا الصغرى بقيادة تمرد ضد الامبراطور ميخائيل الثاني وتحشيد القوات من الأعراق كافة لا سيما السلاف وفرض حصار على العاصمة البيزنطية انتهى بالقضاء عليه وقتله ونفي القادة المشاركين معه عام 823م.